نظر إلي باستغراب وقال:
ـ ماذا تأكل؟ هل هذا ورق؟
شعرت بالإحراج الشديد، قلت:
= هذا ملفوف، ألا تعرف الملفوف؟ إنه مفيد جداً وأنا... أنا أحبه.
غمز صديقي بعينه وهو يقول:
ـ بالهنا والشفاء، قال ذلك: والتفت منصرفا عني، وهو يخشخش بكيس البطاطا المحمرة الذي كان يحمله بيده.
كان عمر من أعز أصدقائي نجلس متجاورين في الصف، ونلعب معاً في الفسحة، ولكن عند الطعام كنا دائماً نفترق، كان هو يحضر معه كيس من الشيبس كل يوم، بالإضافة لبعض الحلويات، طعامه لذيذ ولكن أمي تقول عنه أنه غير مغذي، ولم تكن تسمح لي بتناول مثل هذا الطعام إلا مرة في الأسبوع على أكثر تقدير، وكانت تصر أن تعطيني أنواع الخضار والفواكه، مع شطيرة، ففي يوم أرى في علبة طعامي جزرة مقطعة مع شطيرة جبن، وفي يوم آخر خيار مع الزيت والزعتر،.. وهكذا.
ولم يكن عندي مشكلة من تناول هذا الطعام لو كنت بعيداً عن عمر، ولكني كنت أعاني وأنا أراه يأكل كل يوم ما لذ وطاب من الحلويات والتسالي.
ويحرجني عندما ينظر لطعامي بزاوية عينه كأنه لايعجبه.
أما اليوم فقد شعرت أنني أدوب من الخجل وهو يرفع صوته متسائلاً عن الملفوف -الكرنب- وعيون الطلاب من حولي كلها إنجذبت لي ولما أتناوله من طعام، أغلقت علبتي في أسى، قبضت عليها بيد واحدة وأخفيت يدي وراء ظهري وأنا أكتم شهقة باكية، وأقول في نفسي:
= سامحك الله يا أمي، لماذا لم تتركي الملفوف للبيت؟ وتستبدليه بنوع آخر أكثر قبولاً بين زملائي.
أما عمر فقد أسند ظهره للجدار غير بعيد عن مكاني، وراح يفتح بفخر كيس البطاطا، ثم رفعه بيد واحدة بحركة إستعراضية، بينما كانت اليد الأخرى مشغولة بملئ فمه بقطع البطاطا المقرمشة، وعينه مثبتة علي.
وبمثل لمح البصر كان هناك مجموعة من الأولاد يجرون، وإندفعوا نحونا بقوة، وبدفعة واحدة صار كيس البطاطا في الأرض وتناثر كل ما فيه، لا أدري كيف تحول الموقف، وصارت عينا عمر من تغالب البكاء، وتحسست علبتي.
شعرت بالحزن على عمر، فأنا أعرف حبه للطعام، وحاجته لأن يأكل، تقدمت نحوه بشموخ وأنا أقول له:
الحمد لله أن الكيس وقع وليس أنت، تعال ياصديقي، يمكنك أن تشاركني طعامي.
ـ ولكني لا أحب الملفوف -الكرنب.
= وهل تذوقته من قبل، جربه لعلك تحبه.
مد عمر يده لقطعة ملفوف ودسها في فمه، كنت أنتظر بتلهف لأعرف النتيجة، لقد كان قبول عمر لطعامي حلماً كبيراً أتمنى حدوثه.
نظر إلي بوجه مبتسم وقال:
ـ ليس له طعم، ولكنه يقرمش.
= وهو مفيد جداً، أمي تقول أنه غني بالحديد.
لم يبدو أن عمر التفت لكلامي، ولكن يده إمتدت مرة ثانية للعلبة وتناول قطعة صغيرة أخرى من الملفوف، كانت أكبر من التي قبلها.
صرنا بعد ذلك أنا وعمر نتشارك الطعام، تعود هو أن يأكل بعض قطع الخضار، وصار متاحاً لي أن أقرمش بعض قطع من البطاطا المحمرة، بل صار أصدقاء آخرون يشاركوننا الطعام، وعرفنا أن الشركة بركة.
المصدر: موقع منارات.